يشاع غالبا أن الترجمة القانونية تتسم بالصعوبة والتعقيد ومرد ذلك في جوهره يعود الى أن طبيعة القانون واللغة القانونية تساهمان في صعوبة الترجمة القانونية وتعقيدها. ويتفاقم الأمر بسبب التعقيدات الناجمة عن التعاطي مع لغتين ونظامين قانونيين أثناء عملية الترجمة. وتشمل الصعوبات الأختلافات النظامية في الترجمة بجانبيها اللغوي والثقافي.
واللغة القانونية لغة فنية لكنها ليست لغة فنية عامة لكونها ترتبط بنظام قانوني وطني وبذا تختلف عن اللغة المستخدمة في العلوم الصرفة مثل الرياضيات والفيزياء. أن القانون واللغة القانونية محددان بنظام أي أنهما يعكسان التاريخ والتطور والثقافة وفوق كل ذلك قانون نظام قانوني معين. والقانون بصفته مفهوما مجردا يتصف بالشمولية مثلما هو واضح في القوانين المكتوبة ومباديء السلوك المألوفة في مختلف البلدان. مع ذلك تظل النظم القانونية مميزة للمجتمعات التي تشكلت بها ، فلكل مجتمع بنيته الثقافية والأجتماعية واللغوية التي تطورت وأستقرت بشكل منفرد في ضوء أوضاعه الخاصة به. ثم أن كلا من المفاهيم والأعراف القانونية فضلا عن التطبيقات القانونية تختلف من مجتمع لآخر مما يعكس الأختلافات في ذلك المجتمع.
وتقتضي الترجمة القانونية الترجمة من نظام قانوني معين الى نظام آخر.وعلى خلاف العلوم الصرفة يظل القانون عبارة عن ظاهرة وطنية حيث أن كل قانون وطني يمثل نظاما قانونيا مستقلا له أدواته التعبيرية الخاصة به وبنيته الفكرية الأساسية وقواعد التصنيف والمصادر القانونية والمقتربات المنهجية والمباديء الأجتماعية-الأقتصادية (سارسيفك Sarcevic ، 1997:13). ولمثل هذا الأمر مضامينه للترجمة القانونية حين يتم التواصل عبر لغات وثقافات ونظم قانونية مختلفة حيث أن القانون يرتبط بالجانبين الثقافي والتشريعي. وهناك مختلف النظم والأعراف القانونية مثل القانون الروماني-الجرماني (القانون المدني الأوربي) والقانون العرفي Common Law اللذان يعتبران أكثر عائلتين قانونيتين تأثيرا في العالم. في هذا الشأن يشير كل من ديفيد وبريرلي David and Brierley ، 1985:19) الى أن لكل نظام قانوني سماته الخاصة وكذلك (المفردات التي تعبر عن المفاهيم وأن قواعده تنظم وفق أنماط معينة وله أساليب للتعبير عن القواعد والأحكام وتفسيرها ، وهي مترابطة وفق النظام الأجتماعي نفسه الذي يحدد الطريقة التي يطبق بموجبها القانون وكذلك يحدد وظيفة القانون في ذلك المجتمع).
وبسبب الأختلافات في التطور التاريخي والثقافي فأن من العسير نقل عناصر النظام القانوني في النص الأصلي الى النظام القانوني في اللغة الهدف (سارسيفك 1997:13) مما يشكل تحديا كبيرا للمترجم القانوني من جراء مثل هذا التعارض. أضف الى ذلك هناك ايضا صعوبات لغوية تصاحب عملية الترجمة بسبب الأختلافات الموجودة في الثقافات القانونية والنظم المختلفة. وأذا قارنا الترجمة القانونية بصفتها ترجمة فنية بمثيلاتها الأخريات فأنها تعتبر فريدة من نوعها في هذا الخصوص حيث أن كل لغة قانونية هي نتاج تاريخ وثقافية معينين. لذا نلاحظ على سبيل المثال أن لغة الحق الشرعي في اللغة الفرنسية لايمكن أن تتماشى بالضرورة مع اللغة القانونية الأنكليزية والعكس صحيح تماما في مايتصل بلغة القانون عموما.
ومن الصعوبات اللغوية الرئيسية في الترجمة القانونية غياب التعبيرات المكافئة بين اللغات المختلفة ، ومثل هذا الأمر يتطلب قيام المترجم بعملية مقارنة متواصلة بين النظامين القانونيين لكل من اللغة المصدر واللغة الهدف. وفي أطار الأسلوب القانوني فأن اللغة القانونية تعتبر لغة أختصاصية الى حد كبير فالتقاليد القانونية والثقافة القانونية لهما تأثير ملموس على الطريقة التي يكتب بها القانون. من هنا يمكن النظر الى اللغة القانونية المكتوبة بأعتبارها أنعكاسا للعناصر الجوهرية لثقافة قانونية معينة مما يجعل المترجم القانوني في مواجهة المضامين ذات الأوجه المتعددة (سميث Smith 1995:190-191). كما أن التباينات الثقافية تمثل مصدرا آخر للصعوبات التي تميز الترجمة القانونية فالقانون هو تعبير عن الثقافة يتجسد من خلال اللغة القانونية. عليه يتعين على المترجمين القانونيين أن يتغلبوا على الحواجز الثقافية بين اللغة المصدر واللغة الهدف. ويعلق ويستن Weston (1983:207) على ذلك بقوله: (أن أهم صفة عامة لأية لغة قانونية هو أن جزءا كبيرا من النص الذي يتعامل معه المترجم يحمل طابعا ثقافيا).
خلاصة القول أن وجود ثقافات وتقاليد قانونية مختلفة هو السبب الرئيسي الذي يجعل اللغات القانونية تختلف بعضها عن البعض الآخر ، وهو ذات السبب الذي يجعل اللغة القانونية تختلف تماما عن اللغة العادية.
https://www.researchgate.net/publication/275330987_Legal_Translation [accessed Feb 18 2018].