لماذا يجب على المترجمين التعرف على التكنولوجيا؟
ربما تنقرض، إذا لم ندرب العاملين في مجالها؟
هاينس (1998، 135)
بدمجنا لتقنيات الترجمة (CAT) في البيئة التعليمية، لا نكون قد نقلنا المهارات العملية التي تساعد خريجينا على الحصول على وظائف فحسب، بل نكون أيضاً قد خلقنا بيئةً تمكّنهم من تنفيذ البحوث الأساسية والتطبيقية في عددٍ من المجالات، بما في ذلك علم أصول الترجمة، علم الاصطلاح، تقييم تقنيات الترجمة (CAT)، التفاعل بين البشر والآلة، وتحليل النص وإنشاؤه.
كيني (1999، 78)
عقب خيبة الأمل الأولى جراء مخرجات الترجمة الآلية المؤتمتة بالكامل، اختارت العديد من مؤسسات التدريب على الترجمة خفض تدريس التكنولوجيا لصالح القضايا الأخرى المتصلة بالترجمة. وكما لاحظ كينجسكوت (1996، 297)، ظل الأمر قضيةً جدليةً في بعض الأحيان حتى إلى وقتٍ قريب.
لقد اكتشفت نوعاً من الرضا الذاتي وسط بعض مدرسي الترجمة. فنظراً إلى أنهم رأوا أن 50 عاماً من البحث والتطوير، ظل تأثير الترجمة الآلية ضئيلاً جداً، فهم يعتقدون أن الترجمة سوف تظل تمارس، بشكلٍ أو بآخر، بالطرق التقليدية لوقتٍ طويل.
وبالمثل يلاحظ هاينس (1998، viii) ظل الكثير من المترجمين المحترفين والمنظمات التي ينتمون إليها، غير مطلعين بشكلٍ ملحوظ على التقدم الذي حدث في تكنولوجيا الترجمة. واستمر ليلاحظ أن الكثيرين أيضاً غير متحمسين لها -مع وجود توجهاتٍ تقع في مسافةٍ بين التشكك والانتقاد- ويبدو أن جهلهم ساهم في زيادة مخاوفهم بأن هذه التكنولوجيا تهدد وظائفهم.
أصدر كل من كنجسكوت وهاينس تحذيراتٍ بأن خطى التغيير قد بدأت تتسارع. فهما يتنبئان بزيادةٍ مطردةٍ في استخدام تقنيات الترجمة (CAT) ولاحظا أن هذه الزيادة تدفعها الحاجة بدلاً من البحث. فالسوق العالمية التي طال انتظارها باتت واقعاً ملموساً. وفي الوقت الذي كان ثمة مخاوفٍ من أن تهيمن اللغة الإنجليزية على السوق العالمية، فقد ثبت للكثير من الشركات بالفعل فشل هذا التوقع ولم تحدث خسارة في المبيعات العالمية. ويمكن العثور على مثالٍ واضحٍ لهذا التوجه في صناعةٍ تخصيص برامج الكمبيوتر. ومصطلح "تخصيص" يشير إلى عملية تكييف المنتج للغةٍ ولثقافةٍ ما. ووفقاً لبروكس (2000، 43)، فقد تجاوزت عائدات مايكروسوفت من المنتجات المخصصة 5 مليارات دولار أمريكي خلال العام المالي 1998، ولاحظ ثيبودو (2000، 127) أن شركات البرامج الأمريكية تعلن أحياناً عن عوائد تتجاوز 50% من جملة المبيعات. ويستمر ثيبودو ليقول إن السبب الرئيسي في برامج تخصيص المنتجات، اقتصادي بحت- فالمنتج الذي بالكاد يعود بربحٍ في السوق المحلية، يمكن أن يكون عملاً تجارياً مربحاً في الخارج، وفي بعض الأحيان يحقق زيادةً في مبيعات الشركة تبلغ 25% على الأقل. وإذا تساوت كل المتغيرات الأخرى، فإن البرنامج المنتج الذي لا يُخصص أقل احتمالاً أن يستمر طويلاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنتج المخصص يمكن أن يساعد في نشر تمويل البحث والتطوير على قاعدةٍ أوسع لأن النسخة المخصصة يمكنها زيادة دورة عمر المنتج. ففي الوقت الذي تكون فيه السوق المحلية في حالة انحدار، ربما تكون السوق العالمية في حالة نشوءٍ أو نموٍ مستمر، وبالتالي يمكن للمبيعات الخارجية المساعدة في تمويل الجيل الثاني من المنتجات. وفوق ذلك، يمكن أن تحقق معظم المنتجات ربحيةً أكبر في الخارج لأن هذه الأسواق تدعم أحياناً الأسعار الأعلى. وبالتالي، ومن أجل البقاء في المنافسة وتحقيق زيادةٍ في الأرباح، تقوم الشركات في مختلف المجالات (مثل البرامج، المعدات، التجارة الإلكترونية، معدات الكاميرات، الاتصالات وصناعة السيارات) بتخصيص منتجاتها ومواقعها الإلكترونية. ونتج عن ذلك زيادةً في حجم أعمال الترجمة، خاصة الترجمة الفنية. وأشار سبرنج (2000، ix) إلى أن مراقبي الأسواق في ألايد بيزنس إنتليجنس يقدرون حجم السوق العالمية في مجال التخصيص وترجمة المواقع الإلكترونية يصل إلى 11 مليار دولار أمريكي عام 1999، وإلى 20 مليار دولار قبل نهاية عام 2004. وقد ترافقت الزيادة في الحجم بزيادةٍ في الضغط على الترجمة للعمل بسرعةٍ أكبر وفي نفس الوقت عليها مراعاة معايير جودةٍ عالية. تعتزم الكثير من الشركات حالياً إطلاق مواقع إلكترونية أو إصدار منتج ما وترفق ذلك بوثائق بالكثير من اللغات في نفس الوقت (أو على الأقل خلال فترة مقبولةٍ عقب إصدار الأصل)- وهو عمل يُعرف بالإرسال المتزامن "simship". يعني هذا أنه يتم تشجيع المترجمين على العمل السريع من أجل خفض الوقت المستغرق لتسويق منتجٍ عالمي. لطالما اُعتبرت الترجمة في السابق الخطة الأخيرة في عملية الإنتاج، أما حالياً، فإن الترجمة تبدأ فعلياً في الوقت الذي لا يزال فيه المنتج في مرحلة الإنتاج. إذ أن إرجاء الترجمة حتى اكتمال المنتج أمر لا يساعد على تحقيق بالإرسال المتزامن " simship "، وبذلك يكون التفكير التقليدي تجاه الترجمة مرفوض كوسيلة مفيدة في العملية.
ومن وجهة نظر الشركة، تتسبب عملية التخصيص في زيادة أسعار الترجمة وإبطاء في الوقت الذي يستغرقه التسويق. ففي السوق المحلية، يمكن تقديم وثائق المنتج بلغةٍ واحدة، ويمكن أن يُوضع المنتج على أرفف البيع بمجرد اكتمال عملية إنتاجه. أما في السوق العالمية، فتتم كتابة وثائق المنتج أولاً بلغةٍ واحدةٍ ومن ثَم ترجمتها إلى العديد من اللغات، وإذا كانت هناك رغبة في الإرسال المتزامن، لا يُنقل المنتج إلى أرفف البيع حتى تكتمل كل أعمال الترجمة الخاصة به. فكل أسبوع من الترجمة يتوفر للشركة يمكن أن يكون له تأثير كبير على مبيعات المنتج. وبالتالي، نجد، أكثر من أي وقت مضى، أن الشركات تبحث عن المترجمين الذين تقل أسعارهم وتزيد سرعتهم، لكن وفي نفس الوقت يستطيعون إنتاج ترجمةٍ عالية الجودة. وإحدى الطرق التي يحاول بها المترجمون تحقيق هذا التوازن هو التوجه نحو الاستعانة بالتكنولوجيا. أشار سكالر (1998، 155) إلى أن مهنة الترجمة يجب أن تتخذ خطوات لإنهاء التوتر بين نظام القيم المهنية التقليدي الخاص بها وبين التقنيات الجديدة إذا كانت راغبة في المشاركة في أكثر مجالات الترجمة التي تجتذب الاهتمام والأكثر عائداً مالياً مثل تخصيص المنتجات. وحسب وجهة نظر سكالر، يتسبب ذلك في إحداث بعض التغيرات الجذرية في ذهنية المترجمين، بالإضافة إلى إدماج مقررات تكنولوجيا الترجمة في جميع برامج تدريب المترجمين. يشير سكالر إلى ضرورة أن يكون خريجو الترجمة على اطلاعٍ على مجموعة واسعة من تقنيات الترجمة المتاحة وأن يكونوا قد تعرفوا إلى حدٍ ما على هذه الأدوات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكونوا قد درسوا النتائج المالية والتشغيلية لإدخال واستخدام التقنيات في بيئة تقليدية للترجمة. ذكر ذلك كينج سكوت (1996، 295)، الذي حذر من أنه إذا لم يتم إدراج القضايا المرتبطة بالتكنولوجيا في برامج تدريب المترجمين، سيكون هناك خطر حقيقي من أن يصبح تدريس الترجمة في الجامعات بعيداً عن الممارسة إلى الحد الذي يصبح فيه مهمشاً وبالتالي يتم إدراكه باعتبار أنه لا علاقة له بمهام الترجمة. إذ يتحتم إغلاق الفجوة بين التقدم التكنولوجي والممارسات التعليمية.
ليس سكالر وكينج سكوت وحدهما اللذان يشعران بأن التكنولوجيا تستحق مكانةً أكثر أهميةً في مناهج الترجمة. ففي السنوات الأخيرة ثمة تركيزٌ متزايدٌ على الحاجة للمزيد من إدماج التدريب المرتبط بالتكنولوجيا في برامج تدريب الترجمة. وقد لاحظ العديد من المتخصصين في هذا المجال، أن التعرف على تقنيات الترجمة (CAT) أصبح من الشروط المسبقة للمترجمين، كما أنهم لفتوا الانتباه إلى حقيقة أن أساتذة المترجمين يجب أن يهتموا بأنواع المهارات التي يحتاج إليها الخريجون من أجل مواجهة التحديات والاستمرار في المنافسة في القرن الواحد والعشرين. وذهب البعض مثل كلارك (1994، 308) وجواديتش (1994، 65) أبعد من ذلك ليقولا إن الجامعات عليها واجب إعداد الطلاب بمثل هذه المهارات طالما أنها مطلوبةٌ جداً في سوق عمل الترجمة.
لا شك في وجود طلبٍ على مثل هذه المهارات. فوفقاً لكيني (1999، 79)، أظهرت التجربة أن الخريجين الذين هم على معرفة بتقنيات الترجمة (CAT) يمتازون بالفعل عن غيرهم عندما يتصل الأمر بالعمل في بيئات ترجمةٍ عالية التقنية مثل صناعة البرمجيات ومؤسسة الاتحاد الأوروبي. ويتزايد هذا التوجه في قطاعاتٍ أخرى. وكما أشار بروكس (2000، 57)، فقد قضى نشوء الطباعة على وظيفة الناسخ، لكنها خلقت سوقاً واسعة للكتب، وبالتالي أصبح هناك طلباً كبيراً على المؤلفين، المحررين والتشكيليين. وأشار بروكس، بالمشابهة، إلى أن تطوير أدوات تقنيات الترجمة (CAT) لم يتسبب في خفض الطلب على اللغويين. وبدلاً من ذلك، فإن التحسينات في الكفاءة وخفض كلفة الترجمة الناتجة عن استخدام هذه التقنيات، أثارت طلباً على المنتجات المصنوعة خصيصاً ووفرت وظائف للمترجمين المهرة في استخدام التكنولوجيا. وفي الواقع، وحسب رود (2000، 13) بدأ نوعٌ جديدٌ من المهن يظهر للناس المتخصصين في إدارة تكنولوجيا الترجمة.
يكمن الهدف الرئيسي لهذا الكتاب في توفير مقدمةٍ لبعض التقنيات الهامة المتوفرة حالياً لمساعدة المترجمين على أداء عملهم بكفاءةٍ أعلى. لكن، يجب الإشارة إلى أنه وفي الوقت الذي تشكل فيه معرفة استخدام هذه الأدوات مهارةً عمليةً قيمة لأي خريج ترجمة، فإن إدراج تكنولوجيا الترجمة في برامج تدريب طلاب الترجمة يفيد كذلك جوانب أخرى. وكما لاحظت كيني (1999، 78)، عندما يدمج الأساتذة تقنيات الترجمة (CAT) في منهج الترجمة، فإنهم لا يقومون بنقل مهارةٍ عمليةٍ تساعد الخريجين في الحصول على فرص عملٍ فحسب، بل يخلقون أيضاً بيئة تمكنهم من القيام بالبحوث الأساسية والتطبيقية في العديد من المجالات، بما فيها تعليم الترجمة، التفاعل بين البشر والآلات، وتقييم التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، فإذا كانت تقنيات الترجمة (CAT) التي يتم إدراجها ببرامج تدريس الترجمة تقوم في نهاية الأمر بتغيير طبيعة المهنة -وقد قدمت كيني دليلاً على هذه الفكرة- إذن يجب على الأساتذة الاهتمام ليس فقط بتدريس الطلاب كيفية الاستعانة بهذه التقنيات، بل أيضاً باستكشاف الطرق التي يمكن بها لهذه التقنيات بتغيير مهمة المترجم بالفعل.
كما أشرنا في المقدمة، فإن الهدف الرئيسي لهذا الكتاب هو توفير مقدمةٍ أساسيةٍ لمختلف أنواع التقنيات التي قد يتعامل معها المترجم ويجدها مفيدة. على أي حال، تجدر الإشارة إلى أنه من الجدير استكشاف بعض الفوائد الإضافية التي يمكن الحصول عليها بتقديم تقنيات الترجمة في منهج تدريب المترجمين.
يمكن لإدراج تقنيات الترجمة في مناهج التدريس التأثير على الطرق التي تُدرس بها الترجمة نفسها. على سبيل المثال، أدى وجود البيانات متاحةً في شكلٍ رقمي إلى عددٍ من التغييرات في طرق التدريس. فالتقنيات مثل التعرف البصري على الرموز والتعرف الصوتي يمكن استخدامهما في تحويل البيانات إلى شكل رقمي، الأمر الذي يجعل من السهل تبادل المصادر مثل المتون والترجمات بين الطلاب وبينهم وبين المدربين. وبالمثل، تتيح الشبكات أيضاً زيادة فرص تبادل البيانات (جواديتش 1994، 73- والترمان 1994، 312) . على سبيل المثال، يمكن استخدام الشبكات في بعض أنواع التقنيات مثل نظم إدارة المصطلحات وذاكرات الترجمة، الأمر الذي يسهّل تبادل المعاجم أو الترجمات.
أشارت ديسيساريس (1996، 264) إلى الكيفية التي يمكن بها استخدام ذاكرات الترجمة كمصدرٍ للتعليم الذاتي بهدف تزويد الطلاب بفرصةٍ للوصول الفوري إلى نماذج الترجمة الصحيحة. وبالرغم من أن فكرة تزويد الطلاب بهذه النماذج ليست جديدةً تماماً، إذ غالباً ما يتم تزويد الطلاب بنموذجٍ وحيدٍ لترجمةٍ محددة مما يُكرّس الرأي القائل بأن ثمة ترجمةٍ وحيدةٍ صحيحةٍ للنص المعطى. في حين يمكن لذاكرة الترجمة مع قدرةٍ معقولةٍ على المطابقة (انظر القسم 5.1.2.3) أن تسهل للطلاب تقديم أكثر من نموذجٍ واحدٍ جيدٍ للترجمة.
أوضح شيرف (1992، 157)، أنه ومن خلال تجربته، فإن استخدام التكنولوجيا قد أدى إلى تعزيز الفردية (individualization) في عملية التدريس. فبإمكان الطلاب العمل وفق سرعتهم، في حين تتوفر للمدربين فرصةٌ لمتابعتهم خلال عملية الترجمة وفي نفس الوقت مناقشة الحلول البديلة فوراً لأية مشكلةٍ تنشأ في الترجمة، وإعطاء نصيحةٍ فرديةٍ مناسبةٍ بدون الحاجة إلى تعديل التوضيحات الأمر الذي ربما يفيد حتى الطلاب ذوو القدرات المتوسطة. بالإضافة إلى ذلك، فإن من الممكن أيضاً، تنظيم مناقشةٍ تشمل كل الفصل، لبعض النقاط الملائمة، وتقديم ملاحظات ذات طبيعةٍ أكثر عمومية.
أشار أهرنبيرج وميركل (1996، 185)، وكيني (1999، 77) إلى أن استخدام تقنياتٍ مثل ذاكرات الترجمة تدفع بالطلاب إلى التأمل في قضايا مثل وعي النص والتفكير في الملامح الداخلية والبينية (مع نصٍ آخر) للنص. وبما أن بعض النصوص أكثر ملائمةً من نصوصٍ أخرى فيما يتعلق بالاستخدام مع مختلف التقنيات، يجب على الطلاب الانخراط في التحليل النصي لتحديد ما إذا كان من المفيد ترجمة نصٍ معينٍ بمساعدة نوعٍ محددٍ من التكنولوجيا. على سبيل المثال، يمكن أن يقود التساؤل حول أي جزءٍ من النصوص المفردة وفئات النصوص التي تشكلت من وحداتٍ متكررة، إلى نقاشٍ حول درجة ملائمة نصٍ ما للاستخدام مع أحد نظم ذاكرات الترجمة (انظر القسم 5.4).
أخيراً، حدد شيرف (1992، 155)، إمكانية تحسين القيمة التعليمية لتقنيات الترجمة (CAT) بتقديم نموذجٍ يعمل كنوعٍ من نظام التدريس الذكي في فصول الترجمة المدعومة بالكمبيوتر.
البحث في التفاعل بين البشر والآلات
يستطيع الطلاب من خلال تأمل طبيعة الآلات وكيفية عملها، تعلم ضبط توقعاتهم حول ما يمكن أن تنفذه وما لا يمكنها تنفيذه، ومن الممكن أن يتعلموا تكييف ممارساتهم العملية الشخصية لزيادة الفائدة التي يمكن جنيها من استخدام تقنيات الترجمة (CAT). على سبيل المثال، أشارت كيني (199، 77)، إلى أن إحدى فوائد استخدام ذاكرات الترجمة أنها تجعل الطلاب يفكرون في الطبيعة الخاصة للنص الإلكتروني. لاحظت كيني، خلال مراقبتها لطلابها، أن معظم أخطاء تقسيم النص المترجم والتي تظهر لهم عندما يستخدمون نظام ذاكرة الترجمة قد يسبب فيها سطرٌ مقحم وفواصل الفقرة التي لم يعتبروها في البداية مشكلةً نظراً إلى أنها لا تسبب مشكلةً للبشر لدى قراءتهم نصاً مطبوعاً. وبالمثل، يتعلم الطلاب أنهم عندما يستخدمون دليلاً للكلمات، سيقدم لهم النظام أمثلةً تطابق بالضبط النموذج الذي يطلبه الطالب، وهو ليس بالضرورة النموذج الذي يرغب الطالب في استرداده (انظر القسم 3.4.5). عند استخدام الطلاب للتكنولوجيا، فإنهم يصبحون أكثر وعياً بحقيقة أن الكمبيوتر ليس قادراً على إظهار الذكاء أو الحس العام بنفس الطريقة التي يفعلها البشر. يتعلم الطلاب أنه يجب عليهم أن يسهلوا الأشياء للكمبيوتر عبر أساليب مثل وضع علاماتٍ على النص بشكلٍ صحيح، واللغة المتحكم فيها، والأسئلة المصاغة بحرص.
وقد تودي تجربة التفاعل مع الكمبيوتر إلى اقتراحاتٍ لتحسين التكنولوجيا تؤدي إلى تغيير التطبيقات التقليدية (انظر الأقسام 4.6.3 و 5.5.2).
تعلم تقييم التكنولوجيا
في الوقت الذي يتعلم الطلاب استخدام إحدى تقنيات الترجمة، يمكن أيضاً تشجيعهم على تقييم إمكانيات تلك التقنية في مساعدتهم في أداء عملهم بشكلٍ أكفأ. يمكن تنفيذ أكثر من تقييمٍ على تقنيةٍ واحدة، أو من الممكن عقد مقارناتٍ بين عددٍ من المنتجات المتنافسة. وكما أشار أوتمان (1991، 19)، وجواديتش (1994، 70)، ربما ينتج عن هذه المقارنات اقتراحات لتحسين التكنولوجيا (مثل، تطويرٌ أفضل لواجهة المستخدم أو خيارات تخزينٍ أكثر مرونة).
بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الطلاب أيضاً، مع وجود عددٍ من التقنيات المتاحة، تعلم تقييم التقنيات في ضوء مهمةٍ أو مشروعٍ ما بهدف تحديد أي نوع من تلك التقنيات يمكنها مساعدتهم بشكلٍ أفضل لتنفيذ ذلك المشروع (لوهوم 1999أ، 343، ساغر 1994، 194). يمكن لهذه المعرفة بدورها أن تُستخدم لتطوير أدواتٍ للتشخيص الآلي (انظر القسم 6.5).
معرفة الكيفية التي تستطيع بها التقنيات تغيير الممارسات التقليدية
نستعين بالتكنولوجيا في العديد من المجالات، وبالطبع في حياتنا اليومية، لمساعدتنا على أداء المهام التي يجب علينا تأديتها. لكن، لوحظ في بعض الأحيان أنه يمكن للتكنولوجيا تغيير طبيعة المهمة التي صُممت من أجل تسهيلها. وقدم أهرينبيرج وميركل (1996، 187)، هايني (1998، 135) وكيني (1999، 71) أمثلةً مختلفةً على كيفية تأثير تقنيات الترجمة (CAT) على طبيعة المهام المتصلة بالترجمة. على سبيل المثال، لم يعد المترجمون عند تسجيل المعلومات على سجل المصطلحات، يسجلون فقط الشكل الأصلي للمصطلح. بدلاً من ذلك فإنهم يقومون بتسجيل عدة أشكالٍ للمصطلح حتى يتمكنوا من تقليل التحرير بقطع ولصق الشكل الملائم مباشرةً في النص المستهدف (انظر القسم 4.6.3). وبالمثل، يميل المترجمون الذين يستخدمون نظم ذاكرات الترجمة إلى تشكيل نصوصهم بطريقةٍ تمكنهم من زيادة إمكانية إعادة استخدامها (انظر القسم 5.5.2).
أشار شيرف (1992، 157) وكيني (1999، 73) إلى أن مدربي المترجمين في وضع يسمح لهم بمراقبة الطلاب في عملية الترجمة الفورية والنظر إلى المناهج والحلول التي يأتون بها عندما يواجهون الخيارات التي تعرضها عليهم التكنولوجيا (مثال، كيف يمكنهم تسجيل مصطلحاتهم). وتستمر كيني لتؤكد أنه يجب على الموجهين الذين يقدمون التدريب على استخدام هذه التقنيات، المراقبة والإبلاغ عن مثل هذه القرارات بقصد تطوير توجيهاتٍ جديدة تأخذ في اعتبارها التفاعل بين التقنيات الجديدة.
1.1.5 إنتاج البيانات للبحث التجريبي
تكمن الفائدة الإضافية التي يمكن الحصول عليها من إدراج التكنولوجيا في مقررات الترجمة في أن الناتج العرضي لاستخدام هذه التكنولوجيا هو التراكم التدريجي للبيانات التي يمكن استخدامها لاحقاً لأنواعٍ أخرى من الأبحاث. لطالما دعى منظرو الترجمة (مثال، هولمز 1988، توري 1980) ، إلى المزيد من الأسس التجريبية لتخصصهم. تستطيع المتون الإلكترونية وذاكرات الترجمة تقديم كمياتٍ كبيرةٍ من البيانات التي يسهل الوصول إليها لاستخدامها في أبحاث الترجمة. فالمجموعات اللغوية المتوازية المزدوجة (مثل تلك التي تُنتج من خلال المحاذاة أو باستخدام نظم ذاكرات الترجمة) يمكن استخدامها لدراسة إستراتيجيات وقرارات الترجمة. على سبيل المثال، استخدم إلبنج (1998) مجموعةً لغويةً متوازيةً مزدوجة الاتجاه من نصوص للغة النرويجية واللغة الإنجليزية بهدف فحص سلوك تراكيب كلمة
هناك الإنجليزية (
there)- وكذلك إنشاءات المعادل النرويجي لها (
det) في الأصل الإنجليزي وترجمته وكذلك الأصل النرويجي وترجمته، على التوالي. وبالمثل، استخدمت مايا (1998) مجموعةً لغويةً متوازيةً مزدوجةً من النصوص الإنجليزية والبرتغالية لتحليل طبيعة وتواتر تركيب جمل الفاعل- الفعل- المفعول به في الأصل الإنجليزي وترجمته وفي الأصل البرتغالي وترجمته.
إضافة إلى استخداماتها في التطبيقات البحثية، يمكن استخدام البيانات الناتجة للأغراض التعليمية. على سبيل المثال، يستطيع الأساتذة بناء أرشيفٍ من ترجمات الطلاب، والتي يمكن استخدامها لإرشاد ممارسات التدريس العملية. فيما يلي اقتراحاتٌ لبعض المتون التي يمكن استخراجها من أرشيف ترجمات الطلاب.
أولاً، يستطيع الأستاذ استخراج كوربس محدد النص يحتوي على جميع الترجمات الممكنة لنصٍ مترجم من إعداد الطلاب في فصلٍ دراسيٍ معين. وبعد ذلك يستطيع الأستاذ، باستخدامه لأداة تحليل المتون مثل دليل الكلمات، تفحص جزءٍ معين في جميع الترجمات في وقتٍ واحد. يسمح هذا للأستاذ بتحديد الجزئية التي يعاني فيها الفصل ككل من مشاكل، بخلاف المشاكل التي ربما تواجه واحدٍ أو اثنين فقط من الطلاب. حيث إن هذا النوع من المتابعة قد يكون صعباً وبطيئاً ومملاً عند العمل على صفحات الورق.
يتم تكريس الكثير من مقررات الترجمة لمجالاتٍ معينةٍ مثل الترجمة القانونية، والطبية والاقتصادية. ويستطيع الأساتذة استخراج مجموعةٍ من الترجمات الخاصة بمجالٍ معينٍ ودراستها لتحديد ما إذا كانت هناك مشكلةٌ ما بنص مصدرٍ معين أو أنها مشكلةٌ تظهر في نصوصٍ أخرى تتعلق بمجالٍ ذي صلة. على سبيل المثال، عند ترجمة نصٍ في مجال القانون، يمكن أن يواجه الطلاب صعوبةً في تركيب اللغة الصحيحة كون أن النص المصدر كُتب بكلماتٍ صعبة أثرت سلباً على النص الهدف، أو ربما يكون الطلاب غير متمكنين من تركيبات اللغة القانونية عموماً.
يمكن استخراج متون تطال عدة مجالاتٍ دراسية، على سبيل المثال، يمكن بحث ما إذا كانت المشاكل التي تواجه مجموعة من الطلاب في مقرر الترجمة الفنية باللغة الفرنسية مشابهة للمشاكل التي يواجهونها في مقرر الترجمة الاقتصادية باللغة الفرنسية أو مختلفةً عنها. ويستطيع الأستاذ التحقق مما إذا كان لدى الطالب مشكلةً ناتجةً عن معرفته الضئيلة بالنحو (وبالتالي ستظهر هذه المشكلة بغض النظر عن مجال النص) أو يجد صعوبةً سببها عدم معرفة مفردات اللغة أو قواعدها (وهي مشكلةٌ لم تتأكد لدى ترجمة نصوصٍ في مجالٍ مختلف).
يمكن استخراج متون تداخل لغوي من نفس المجال لاختبار تأثير تدخل اللغة المصدر. على سبيل المثال، قد يكون هناك طالبٌ يدرس مقررين مختلفين في الترجمة الاقتصادية: أحدهما من الفرنسية والآخر من الأسبانية. ربما تكشف مقارنة مجموعتي الترجمة أن لدى الطالب صعوباتٍ مختلفة عندما يترجم من الفرنسية أكثر مما يترجم من الأسبانية، الأمر الذي يكون فيه من الضروري التركيز على اللغة المصدر، أو ربما يكون الطالب لديه صعوباتٍ مشابهة بغض النظر عن لغة المصدر، وفي هذه الحالة ربما يكون من الضروري معالجة القضية بطريقةٍ لا علاقة لها بلغة المصدر. أخيراً، يمكن تنفيذ دراساتٍ مطوّلة لتسجيل التقدم الذي يحرزه طلابٌ منفردين أو مجموعاتٍ من الطلاب، ويمكن أداء ذلك طوال فصلٍ دراسيٍ كامل، أو طوال عامٍ كامل، أو حتى خلال الدراسة الجامعية بأكملها. باستخدام مثل هذه المتون يستطيع الأستاذ (أو حتى الطالب) معرفة الصعوبات التي تم التغلب عليها والصعوبات التي لا زالت قائمة.
ثمة نوعٌ آخرٌ من الدراسة المطولة إذا ما قرر الأستاذ تجريب أسلوب تدريسٍ جديدٍ من عامٍ لآخر. إذا استخدم الأستاذ نفس النص المصدر (أو حتى نصوصٍ مختلفةٍ تحتوي على صعوباتٍ مماثلة) مع أكثر من مجموعةٍ من الطلاب، ربما يكون من المثير للاهتمام بالنسبة له أو لها مقارنة الترجمة التي تتم من قِبل طلابٍ تم تدريسهم باستخدام الطريقة "القديمة"، مع فصلٍ آخر تم تدريسه بالطريقة "الجديدة". ربما لا تكون مقارنةٌ من هذا النوع كافيةٌ لتمكين الأستاذ من إصدار ادعاءٍ نهائيٍ حول جدوى أيٍ من الطريقتين، إلا أنها ربما تكشف عن بعض النقاط الهامة التي تستحق المزيد من الدراسة.
تعزيز المهارات الأساسية للترجمة
يشير المثال الذي تمت مناقشته أعلاه إلى أنواعٍ جديدةٍ من الدراسات المتصلة بالترجمة والتي أصبحت ممكنةً عبر استخدام التكنولوجيا. في الوقت ذاته يجب التشديد على أنه ليس من الضروري اقتطاع الوقت الذي يخصص لتدريس التكنولوجيا من الوقت المخصص لتدريس مهارات الترجمة الأخرى. في الواقع، إذا تم إدماج التكنولوجيا بشكلٍ ملائم في قاعة الدراسة، فإنها لا تسمح للطلاب بتطوير مهاراتٍ جديدةٍ فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى تكثيف المنهج الأساسي للترجمة. وكما أشار سخايتزن (1997، 18) ولوهوم (1999ب، 118)، فإن الطلاب الذين يستخدمون التكنولوجيا لإنتاج سجلات للمصطلحات، يجدون حلولاً في التوثيق الموازي، أو أولئك الذين ينتجون ترجماتٍ فعلية، سيعززون هذه المهارات الأساسية بالإضافة إلى تطويرهم لعادات عملٍ جيدةٍ وواقعية يمكن تطبيقها لاحقاً في مكان العمل.
النقاط الرئيسية
- يزداد استخدام تقنيات الترجمة بدافع الاحتياجات- فقد نتج عن السوق العالمية حجم أكبر من الترجمات مع تزايد الضغط من أجل إنتاج ترجمات بشكلٍ سريع لكي تسهل عملية التزامن (simship).
- أصبحت معرفة تقنيات الترجمة (CAT) شرطاً مسبقاً لطلاب الترجمة حتى يكونوا قادرين على مواجهة التحديات والاستمرار في منافسة القرن الواحد والعشرين.
- بالإضافة إلى كونها مهارةً عمليةً وقيّمة لأي خريج ترجمة، فإن إدراج تقنيات الترجمة في مقررات تدريس الترجمة يمكن أن تكون مفيدة بطرقٍ أخرى، مثل تعزيز المهارات الأساسية للترجمة، إنتاج البيانات التي يمكن استخدامها في الدراسات البحثية، وخلق مجالات بحثٍ جديدة (مثال، تأثير التكنولوجيا على تطبيقات الترجمة وتعليمها، التفاعل بين البشر والآلة، تقييم التقنيات).