تستعد ألمانيا لسن قانون جديد يهدف إلى استقدام العمال المهرة المؤهلين لسوق العمل الألمانية وكذلك المدربين تدريبا جيدا إلى ألمانيا، وقد وضعت ألمانيا خطة "مبدئية" لقانون الهجرة الجديدة من أجل سد العجز الهائل في العمال المؤهلين وتناقص أعدادهم بشكل ملحوظ في مجالات عدة أبرزها الرعاية الطبية وتكنولوجيا المعلومات.
وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة "بيرتلسمان" الألمانية في شهر شباط / فبراير المنصرم، فإن سوق العمل الألماني يحتاج إلى أيدي عاملة مهاجرة بنحو 260 ألف مهاجر على الأقل سنويًا؛ وذلك لأن القوى العاملة في ألمانيا - بحسب الدراسة- سوف تتقلص بمقدار الثلث تقريبًا (أي نحو 16 مليون شخص) بحلول عام 2060؛ بسبب تعرض المجتمع الألماني للشيخوخة بدون هجرة.
اقرأ أيضا: دراسة: السوق الألمانية بحاجة إلى أكثر من ربع مليون مهاجرٍ سنويًا
الورقة التي قدمتها الحكومة لا توضح صراحةً بأن قانون الهجرة الجديد سيقوم على "نظام النقاط"، كما هو الحال في دول بريطانيا وأستراليا وكندا وغيرها، حيث يقبل القانون الجديد المهاجرين بحسب المستوى التعليمي والأموال التي لديهم، ودرجة إتقانهم للألمانية وعروض العمل، وعوامل مهنية أخرى، بحيث إذا ما استوفوا حدًا معينا يتم قبولهم لدخول ألمانيا.
ولكن برأي الباحث في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، توماس ليبيج، فإن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، ويقول "لديّ بعض الأسئلة حول كيفية تطبيق هذه المعايير، لست متأكدا كيف سيكون لديهم معايير مختلفة بدون حساب نقاط واضح، فإذا كنت ترغب في مقايضة المعايير المختلفة، فأنت بحاجة إلى "نظام نقاط"، بطريقة أو بأخرى، هذه هي الآلية التي تعمل عليها أنظمة النقاط".
ويرى الباحث في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، توماس ليبيج أنه من الصعب وجود معايير مختلفة بدون وجود نظام لاحتساب النقاط، فإذا كنت تريد مقايضة المعايير المختلفة، فأنت بحاجة إلى "نظام نقاط" بشكل أو بآخر، بحسب ليبيج.
يعتبر قانون الهجرة الألماني الحالي أسهل قوانين الهجرة في العالم خاصةً لمن لديهم مستوى تعليم عالي، فمن السهل "الانتقال من كندا إلى ألمانيا على سبيل المثال" يقول ليبيج، ويتابع "بحسب القانون الحالي، يكفي أن تكون لديك مؤهلات علمية جيدة، وعرض عمل فقط، فأنت لست بحاجة لتحدث الألمانية حتى".
كما أن القانون الألماني يمنح تأشيرة لمن لديهم مؤهلات علمية كبيرة، حتى من دون الحصول على عرض عمل، إذ يمنحهم ما يسمى "تأشيرة بحث عن عمل"، ويمكنهم دخول البلاد بدون وظيفة فعلية، ولكن ما تفتقر إليه ألمانيا هو التسهيلات لمن يطلق عليهم "ذوي المؤهلات المتوسطة المستوى"، كالممرضات، ومقدمي الرعاية، ومساعدي روضة الأطفال، والحرفيين مثل الكهربائيين أو النجارين، أي كل وظيفة تتطلب مؤهلًا مهنيًا لا علميًا، وهذه الوظائف تشكل ما يقارب "60 بالمئة من حاجة سوق العمل الألمانية"، بحسب ليبيج.
عدم القدرة على جلب مثل هذه الخبرات من بلدان مختلفة، أو عدم الاعتراف بوجود خبرة لدى الأشخاص القادمين من بعض الدول، شكَّل "عقبة" في الحصول على أشخاص مؤهلين في بعض القطاعات، لذا فإن الورقة الجديدة المقدمة من الحكومة تعتبر طريقة لسد هذه الثغرة و"مفتاح النجاح لخلق تكامل في سوق العمل بألمانيا".
لكن ما يبقى غير واضح في الورقة، هو ما هي الشروط الأخرى المطلوبة: ما هو مستوى اللغة الألمانية الذي يجب أن يكون لدى المهاجر المحتمل؟ هل يجب أن يكون هناك عرض عمل من قبل شركة ألمانية، وما هي الوظائف التي سيتم اعتبارها بالضبط كمهارات متوسطة؟
يبدو أن الحكومة الألمانية تفكر في الوقت الحاضر في إنشاء "تأشيرة بحث عن عمل" للوظائف ذات المهارات المتوسطة، وهذا النوع من التأشيرات أثبت فعاليته في الدنمارك، لكن هذه الخطوة لم يتم تجربتها في ألمانيا من قبل، وهذا سيعتمد على ما إذا كان أصحاب العمل الألمان مستعدون للمخاطرة وتوظيف الأشخاص الذين لديهم "تأشيرة بحث عن عمل".
ووفقًا لليبيج "سيكون هذا سؤالًا كبيراً"، مشيرًا إلى أن "العديد من الشركات الألمانية مترددة في توظيف أشخاص من الخارج، لقد سألنا أصحاب العمل الألمان، (هل أنت مهتم بتوظيف أشخاص من الخارج؟) فكانت الإجابة: لا سبيل إلى ذلك".
وأضاف الباحث في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) "في الوقت الحالي، يبدو أنهم يقدمون قانونًا من شقين: هناك أشخاص يأتون، للبحث عن وظيفة، ثم نعترف بهم إذا وجدوا وظيفة."
شددت فرنسا مؤخرًا في قانون الهجرة الخاص بها لتسهيل اجتذاب الأشخاص ذوي مستوى التعليم العالي أو المهارات الاستثنائية، ويهدف جزء من القانون الجديد إلى تخفيف البيروقراطية، ففي حالة فرنسا، ينطبق هذا القانون بشكل خاص على المديرين التنفيذيين للشركات متعددة الجنسيات الذين يكسبون أكثر من 5000 يورو شهريًا، والعلماء، والأشخاص في صناعة الترفيه، والعاملين الموسميين، والمهن المنظمة، بينما تتبع السويد سياسة أكثر ليبرالية، حيث "يمكنك أن تأتي أساساً لأي وظيفة"، ومن هذا تعتبر فرنسا مغلقة تماماً، والسويد منفتحة، وتقع ألمانيا في مكانٍ ما بينهما!