هو يراهم هكذا وهو أحدهم, مع بزوغ الفجر يحملون مناجلهم نحو حقول عرفوها وحدهم, يسيرون تحت شموس الله اللاهبة، وعلى الشواطئ الدافئة ليخبروا العالم أن البشر سواء, وإن اختلفت ملامحهم, وأنهم جميعاً يغنون للحرية والعدالة ومواسم الحياة. إنه المترجم الفرنسي بيير فرانسوا كيلي الذي آمن بأن المترجمين تمر عبرهم الثقافات وتتحد عبرهم الأمم فأسس الاتحاد الدولي للمترجمين عام 1953م.
وهذا العام يحتفل الاتحاد الدولي للمترجمين بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيسه. والاتحاد الدولي للمترجمين مجموعة من الجمعيات والمنظمات الدولية التي تهتم بالترجمة والمترجمين التحريرين والفوريين والمتخصصين في علوم المصطلحات. وقد انضم إلى الاتحاد أكثر من 100 جمعية متخصصة في مجال الترجمة، تتكون من أكثر من 80000 مترجم في 55 دولة. ويهدف الاتحاد الدولي للمترجمين إلى دعم الاحترافية في الترجمة، كما يسعى باستمرار لتحسين أوضاع مهنة الترجمة في كل دول العالم ودعم حقوق المترجمين في حرية التعبير.
وقد انطلق الاتحاد الدولي للمترجمين من عدة أهداف هي جمع منظمات المترجمين واختصاصي المصطلحات, ودعم تشكيل مثل هذه الجمعيات في الدول التي ليست لديها منظمات للترجمة, وأيضاً تزويد أعضاء المنظمات بمعلومات عن أوضاع العمل والوسائل التقنية والتدريب الداخلي والمستمر, وكل ما يفيد المهنة، وتعزيز الاعتراف بالترجمة وإيجاد علاقات بين كل أعضاء المنظمات لتقوم بخدمة اهتمامات المترجمين, بالإضافة إلى تعزيز وضع المترجمين في المجتمعات ودعم مفهوم الترجمة كعلم وفن. كما أن الاتحاد يدعم الحقوق المادية والمعنوية للمترجمين في العالم, وهناك شراكة بين الاتحاد ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
وللاتحاد الدولي للمترجمين هيكلة تنظيمية تترأسها الهيئة العليا وهي الهيئة التشريعية وتتمثل في المؤتمر التشريعي والذي يعقد كل ثلاث سنوات, وهو يجمع وفوداً من أعضاء الجمعيات, وينتخب المجلس الذي بدوره ينتخب لجنته التنفيذية ويوجه خطط الاتحاد حتى الاجتماع القادم. كما يتم دعم الهيئات الإدارية من اللجان المختلفة والتي تقدم تقريرياً سنوياً إلى المجلس وإلى الهيئة العليا بشأن أنشطتها, ويتبع المؤتمر التشريعي مؤتمراً مفتوحاً, يناقش فيه المترجمون قضايا الترجمة.
ويوجد للاتحاد الدولي ثلاثة مراكز إقليمية فاعلة في أوروبا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية والرابع متوقع أن يكون في آسيا، وهذه المراكز ترعى الأنشطة في دولها وتنظم الاجتماعات لتدعم تبادل الخبرات بين أعضاء المؤسسات في أي مسألة تتعلق بالمهنة وتنسق مع مجلس الاتحاد.
يصدر الاتحاد الدولي للمترجمين مجلتين فصليتين وهما بابل والترجمة, وتصدران كل ثلاثة أشهر. وقد تخصصت مجلة بابل في نشر مقالات عن نظريات الترجمة وتطبيقاتها, وأهم ما يستجد في علم الترجمة، أما مجلة الترجمة فهي تركز على نشر أنشطة ومؤتمرات الاتحاد وتكون موجهة لأعضاء الاتحاد والمؤسسات التي تتعاون معها.
جوائز وميداليات للترجمة
ولدعم أهدافه فإن الاتحاد الدولي للمترجمين يمنح عدة جوائز وميداليات لتشجيع جهود المترجمين, سواء أكانوا مؤسسات أو أفراداً, وتقدم هذه الجوائز كل ثلاث سنوات, وهي:
- جائزة أورورا بوريلس لترجمة الأعمال غير الأدبية
هي جائزة تهدف لتشجيع ترجمة الأعمال غير الأدبية مثل كتب الرحلات، كتب العلوم، السير، المذكرات، المقالات. حيث تقوم الجمعية النرويجية للمؤلفين والمترجمين بدعم الجائزة وأيضاً تمول الجائزة بعائدات حقوق الطباعة والنشر. وقد منحت الجائزة عام 2011 للمترجم الكوبي رودولفو كاستيلو.
-جائزة أورورا بوريلس لترجمة الآداب:
أقر الاتحاد الدولي للمترجمين جائزة أورورا بوريلس لترجمة الآداب لدعم جودة الترجمة في مجال الآداب, وتوضيح دور المترجمين في تقارب الثقافات. وتمثل الجمعية النرويجية للمترجمين الأدبيين الداعم الرسمي للجائزة, حيث تقدم دعماً سخياً للجائزة، وأيضاً تحصل الجائزة على تمويل من حقوق الطباعة والنشر، وقد فازت بالجائزة عام 2011م المترجمة الكوبية لورديز رودريقيز والتي قامت بترجمة روايات وقصص وشعر من لغات متعددة (اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والبرتغالية) إلى اللغة الإسبانية وتم نشر نتاجها في 20 كتاباً.
-جائزة أستريد ليندغرين لأدب الأطفال:
وهي جائزة أطلقها الاتحاد الدولي للمترجمين لتعزيز ترجمة أدب الأطفال, وتحمل اسم الكاتبة السويدية أستريد ليندغرين التي تمنحها الدعم المادي. وقد حققت الفوز بالجائزة عام 2011 المترجمة الفنلندية كيسا كاتيلس التي ترجمت 65 قصة للأطفال إلى اللغة الفنلندية.
- جائزة أفضل موقع إلكتروني:
حصل على الجائزة عام 2011م موقع الجمعية الفرنسية للمترجمين الإلكتروني. وتأسست هذه الجمعية عام 1947 لتدافع عن مصالح المترجمين ومهنة الترجمة, وهي عضو مؤسس في الاتحاد الدولي للمترجمين.
- جائزة أفضل دورية
حازت على جائزة الاتحاد الدولي للمترجمين لأفضل دورية للعام 2011 م مجلة معهد الترجمة التحريرية والفورية ببريطانيا.
- ميدالية بيير فرانسوا كيلي التذكارية:
تحمل هذه الميدالية اسم مؤسس الاتحاد بيير كيلي, وتمنح الجائزة للجهود الفردية الاستثنائية والتي ساهمت في تعزيز مهنة الترجمة على المستوى العالمي. وقد حصلت على الميدالية عام 2008 المترجمة النمساوية نائبة رئيس الجمعية النمساوية التشريعية للمترجمين الفوريين ليزا كاتسكنكا, وقد عملت سكرتيراً عاماً للاتحاد الدولي للمترجمين من الفترة 1993 - 1999م.
- ميدالية كارل تشابيك:
وهي تحمل اسم الكاتب التشيكي كارل تشابيك الذي ألف العديد من الكتب الأدبية وغيرها, واشتهر في كتابة الرواية العلمية. وتهدف الجائزة إلى دعم الترجمة الأدبية للأعمال التي كتبت بلغات قليلة الانتشار. وقد فاز بالميدالية عام 2011 البروفيسور دانيال كونين من جنوب أفريقيا.
اليوم العالمي للترجمة
أقر الاتحاد الدولي للمترجمين مناسبة ثقافية عالمية وهي اليوم العالمي للترجمة، وقد أقره الاتحاد ليكون كل 30 سبتمبر من كل عام، وهو تاريخ عيد القديس جيروم مترجم الإنجيل ونصير المترجمين. ففي عام 1991 م أطلق الاتحاد فكرة مناسبة اليوم العالمي للترجمة كمناسبة رسمية لتظهر تضامن المهتمين بالترجمة في العالم, وتعزيز مهنة الترجمة في مختلف دول العالم والتي أصبحت مهمة في عصر العولمة.
ويمثل اليوم العالمي للترجمة فرصة للمترجمين والطلبة والناشرين وبائعي الكتب وأمناء المكتبات والمدونين والنقاد ليجتمعوا ويناقشوا القضايا المهمة والتحسينات في مجال الترجمة وليناقشوا التحديات وليحتفلوا بنجاحاتهم.
وفي هذا اليوم تقدم الندوات والمحاضرات واللقاءات والورش التدريبية في مجال الترجمة, ويتم استضافة مترجمين من دول العالم وتبث البرامج التلفزيونية والإذاعية الخاصة بهذه المناسبة, وتبرز أهم الأعمال التي تمت ترجمتها بالإضافة إلى متابعة الصحافة والإعلام الإلكتروني للمناسبة.
ويختار الاتحاد الدولي للمترجمين كل عام موضوعاً لليوم العالمي للترجمة يمثل شعار العام. ففي عام التأسيس لم يكن هناك شعار ولكن في العام الذي تلاه تم اختيار شعار الرابط الحيوي. وفي هذا العام أقيمت احتفالية اليوم العالمي للترجمة تحت شعار (وراء الحواجز اللغوية.. عالم متحد).
ومما جاء في كلمة رئيس الاتحاد الدولي للمترجمين في اليوم العالمي للترجمة 2013 : (يجب أن نتوقف ونقدر الدور العظيم الذي يلعبه المترجمون التحريريون والفوريون والمهتمون بالمصطلحات اللغوية في جعل مفهوم القرية العالمية مفهوماً واقعياً. هؤلاء المترجمون منا ويعملون في هذه المهنة ونحن فخورون بهذا الفكر، فنحن حقاً نوحد العالم ونجعله مكاناً ممكناً للشعوب القادمة من كل أطراف الأرض من أجل أن يتواصلوا ويفهم كل منهم الآخر على مستويات مختلفة ليتجنبوا الصراعات غير الضرورية).